responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 211
[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 70]
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
انْتِقَالٌ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِدَقَائِقِ صُنْعِ اللَّهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْخَلْقِ التَّصَرُّفَ الْغَالِبَ لَهُمُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهُ، عَلَى انْفِرَادِهِ بِرُبُوبِيَّتِهِمْ، وَعَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ.
كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَذْيِيلُهَا بِجُمْلَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ فَهُوَ خَلَقَهُمْ بِدُونِ اخْتِيَارٍ مِنْهُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاهُمْ كَرْهًا عَلَيْهِمْ أَوْ يَرُدُّهُمْ إِلَى حَالَةٍ يَكْرَهُونَهَا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدًّا لِذَلِكَ وَلَا خَلَاصًا مِنْهُ، وَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ بِأَوْضَحِ مَظْهَرٍ.
وَابْتُدِئَتِ الْجُمْلَةُ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ لِلْغَرَضِ الَّذِي شَرَحْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء [سُورَة النَّحْل: 65] . وَأَمَّا إِعَادَةُ اسْمِ الْجَلَالَةِ هُنَا دُونَ الْإِضْمَارِ فَلِأَنَّ مَقَامَ الِاسْتِدْلَالِ يَقْتَضِي تَكْرِيرَ اسْمِ الْمُسْتَدَلِّ- بِفَتْحِ الدَّالِ- عَلَى إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ تَصْرِيحًا
وَاضِحًا.
وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ فِعْلِيًّا لِإِفَادَةِ تَخْصِيصِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي الْإِثْبَاتِ، نَحْوَ:
أَنَا سَعَيْتُ فِي حَاجَتِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً.
فَهَذِهِ عِبْرَةٌ وَهِيَ أَيْضًا مِنَّةٌ، لِأَنَّ الْخَلْقَ وَهُوَ الْإِيجَادُ نِعْمَةٌ لِشَرَفِ الْوُجُودِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، وَفِي التَّوَفِّي أَيْضًا نِعَمٌ عَلَى الْمُتَوَفِّي لِأَنَّ بِهِ تَنْدَفِعُ آلَامُ الْهَرَمِ، وَنِعَمٌ عَلَى نَوْعِهِ إِذْ بِهِ يَنْتَظِمُ حَالُ أَفْرَادِ النَّوْعِ الْبَاقِينَ بَعْدَ ذَهَابِ مَنْ قَبْلَهُمْ، هَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ الْغَالِبِ فَرْدًا وَنَوْعًا، وَاللَّهُ يَخُصُّ بِنِعْمَتِهِ وَبِمِقْدَارِهَا مَنْ يَشَاءُ.
وَلَمَّا قوبل «ثمَّ توفّاكم» بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ فِي إِبَّانِ الْوَفَاةِ، وَهُوَ السِّنُّ الْمُعْتَادَةُ الْغَالِبَةُ لِأَنَّ الْوُصُولَ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ نَادِرٌ.
وَالْأَرْذَلُ: تَفْضِيلٌ فِي الرَّذَالَةِ، وَهِيَ الرَّدَاءَةُ فِي صِفَاتِ الِاسْتِيَاءِ.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 211
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست